تزايدت الإشارات الرسمية والبرلمانية والرقابية إلى أن ملف التجاوزات على الأملاك العامة لم يعد مجرد قضية عشوائيات أو مخالفات فردية متناثرة في أطراف المدن، بل تحوّل إلى منظومة متكاملة يجري من خلالها تغيير واقع ملكية الأرض في العراق بصورة عميقة، عبر استحواذ تدريجي على المتنزهات والمساحات الخضراء والأراضي الزراعية والعقارات الحكومية، ودمج جزء من هذه الأملاك في مشاريع استثمارية أو سكنية أو تجارية، فيما يتم التعامل مع الجزء الآخر على أنه رصيد يمكن استخدامه في صفقات سياسية ومالية تمتد من قلب بغداد إلى المحافظات،
وتصل في بعض فروعها إلى أملاك العراق في الخارج. وفي هذا السياق، يبرز توصيف برلماني لافت لهذا الملف بوصفه "صندوقاً أسود" يحتوي على حقائق كبيرة واستثنائية، في إشارة إلى حجم ودلالة ما تراكم داخله من قرارات وتجاوزات وعمليات نقل ملكية رسمية وغير رسمية خلال عقدين، من دون أن يقابله حتى الآن قرار حكومي وسياسي حاسم يعيد تنظيم علاقة الدولة بأملاكها العامة ويكشف للرأي العام هوية المتجاوزين وأدوات عملهم.
ويقول النائب مضر الكروي إن "ملف التجاوزات على الأملاك العامة من أخطر الملفات، وكنا من أوائل من تحرك عليه قبل أكثر من ست سنوات، وقدمنا عدة طلبات رسمية لكشف ما يتضمنه هذا الصندوق الأسود"، موضحاً أن "التجاوزات لا تنحصر في بغداد فقط، بل تشمل جميع المحافظات دون استثناء". ويضيف أن "هناك ملفاً آخر لا يقل أهمية، يتمثل بأملاك العراق في الخارج، سواء في الدول الأوروبية أو غيرها، وتقدّر قيمتها بمئات ملايين الدولارات، وهو ملف بالغ التعقيد وتداخلت به أطراف عديدة"، داعياً إلى "تشكيل لجنة تقصّي حقائق بصلاحيات كاملة لتحديد طبيعة الأملاك المتجاوز عليها، وما مصيرها، والقرارات التي صدرت لتغيير وضعها القانوني". ويشير الكروي إلى أنه "خلال الدورة النيابية الحالية حصل تحرّك مهم بهذا الاتجاه"، معرباً عن أمله بأن تشهد الدورة النيابية السادسة "قراراً حكومياً جريئاً يعزز ثقة الجمهور من خلال حماية الأملاك العامة وكشف المتجاوزين عليها في بغداد وبقية المحافظات"، لافتاً إلى أن "حجم الأملاك العامة كبير جداً، ولا يقتصر على الدور وقطع الأراضي، بل يمتد إلى قطاعات وممتلكات أخرى واسعة".